فصل: وَأَمَّا الْمَوْضِعُ الثَّالِثُ (الغاشية):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الناسخ والمنسوخ



.سورة الْمُدَّثِّرِ إِلَى آخِرِ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1].

حَدَّثَنَا يَمُوتُ، بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُنَّ نَزَلْنَ بِمَكَّةَ.
وَجَدْنَا فِيهِنَّ أَرْبَعَةَ مَوَاضِعَ.

.بَابُ ذِكْرِ الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ [الإنسان] :

قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ {وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا} [الإنسان: 26].
قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: كَانَ هَذَا أَوَّلَ شَيْءٍ فَرِيضَةً، ثُمَّ خَفَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ جَلَّ وَعَزَّ: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء: 79].

.بَابُ ذِكْرِ الْمَوْضِعِ الثَّانِي [الأعلى]:

قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15].
تَكَلَّمَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِأَجْوِبَةٍ فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: {مَنْ تَزَكَّى} [طه: 76] مِنَ الشِّرْكِ.
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: أَخْرَجُوا زَكَاةَ الْفِطْرِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ.
وَعَنْ أَبِي مَالِكٍ، {مَنْ تَزَكَّى} [طه: 76]: مَنْ آمَنَ.
وَعَنْ عِكْرِمَةَ {مَنْ تَزَكَّى} [طه: 76]: مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.
وَعَنْ قَتَادَةَ {مَنْ تَزَكَّى} [طه: 76] بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَالْوَرَعِ.
وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ {مَنْ تَزَكَّى} [طه: 76] بِمَالِهِ وَعَمَلِهِ.
وَعَنْ عَطَاءٍ: الصَّدَقَاتُ كُلُّهَا.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ: إِذَا خَرَجْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَتَصَدَّقْ بِشَيْءٍ إِنِ اسْتَطَعْتَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 14].
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: فَهَذِهِ الْأَقْوَالُ مُتَقَارِبَةٌ لِأَنَّ التُّزَكِّيَ فِي اللُّغَةِ التَّطَهُّرُ، وَهَذَا كُلُّهُ تَطَهُّرٌ لِأَنَّهُ انْتِهَاءٌ إِلَى مَا يُكَفِّرُ الذُّنُوبَ، وَقِيلَ زَكَاةٌ مِنْ هَذَا، لِأَنَّهَا تَطْهِيرٌ لِمَا فِي الْمَالِ، وَقِيلَ: هِيَ مِنَ الزَّكَاءِ أَيْ مِنَ الزِّيَادَةِ وَالنَّمَاءِ، وَإِنَّمَا أَدْخَلْتُ هَذِهِ الْآيَةَ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ لِأَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْعُلَمَاءِ تَأَوَّلُوهَا عَلَى أَنَّهَا مِنْ زَكَاةِ الْفِطْرِ، مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: أَخْرِجُوا زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُصَلُّوا صَلَاةَ الْعِيدِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 14].
وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وأَبِي الْعَالِيَةِ، ومُوسَى بْنِ وَرْدَانَ، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ وَفَرَضَهَا قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الزَّكَاةُ، فَجَازَ أَنْ تَكُونَ نَاسِخَةً لِأَنَّهَا بَعْدَهَا، وَجَازَ أَنْ تَكُونَا وَاجِبَتَيْنِ، وَقَدْ ثَبَتَ وُجُوبُهُمَا، وَإِنْ كَانَ حَدِيثُ قَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ رُبَّمَا أَشْكَلَ فَتَوَهَّمَ سَامِعُهُ النَّسْخَ فِي ذَلِكَ.
كَمَا قُرِئَ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ، عَنْ أَبِي عَمَّارٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الزَّكَاةُ فَلَمَّا نَزَلَتِ الزَّكَاةُ لَمْ يَأْمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَنَا وَنَحْنُ نَفْعَلُهُ».
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا يَدُلُّ عَلَى النَّسْخٍ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَهُمْ بِهَا، وَالْأَمْرُ مَرَّةً وَاحِدَةً يَكْفِي وَلَا يَزُولُ إِلَّا بِشَيْءٍ يَنْسَخُهُ.
وَالْقَوْلُ بِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وأَبِي الْعَالِيَةِ، وَالزُّهْرِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ، وَالشَّعْبِيِّ، ومَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ، وَابْنَ الْمُبَارَكَ قَالَا: إِذَا كَانَ عِنْدَهُ فَضْلٌ عَلَى قُوتِهِ وَقُوتِ مَنْ يَعُولُهُ كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ.
وَأَهْلُ الرَّأْيِ يَقُولُونَ: لَا تَجِبُ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى مَنْ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ: أَوْجَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ وَعَمِلَ بِهِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ الْمَهْدِيُّونَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِجْمَاعٌ.
قَالَ: حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ ذَكَرٍ وَأُنْثَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ».
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: وَقَدْ أَشْكَلَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى بَعْضِ أَهْلِ النَّظَرِ فَقَالَ: لَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ عَبْدِهِ لِأَنَّ الْعَبْدَ فُرِضَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُفْرَضَ عَلَى مَوْلَاهُ فِي الْحَدِيثِ أَنْ يُخْرِجَ عَنْهُ فَذَلِكَ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ نَفْسِهِ إِذَا أُعْتِقَ وَهَذَا قَوْلٌ بِالظَّاهِرِ، وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ الْحَدِيثُ الْآخَرُ الثَّابِتُ الَّذِي لَا تُدْفَعُ صِحَّتُهُ رَوَى عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ» فَقَدْ بَيَّنَ هَذَا الْحَدِيثُ ذلِكَ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ يُخْرِجُ عَنْهُ الْحَرُّ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عَلَى بِمَعْنَى عَنْ وَذَلِكِ مَعْرُوفٌ فِي اللُّغَةِ وَمَوْجُودٌ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى} [النجم: 12] لَا نَعْلَمُ اخْتِلَافًا أَنَّ مَعْنَاهُ: عَمَّا يَرَى وَأَنْشَدَ النَّحْوِيُّونَ: البحر الوافر:
إِذَا رَضِيَتْ عَلَيَّ بَنُو قُشَيْرٍ ** لَعَمْرُ أَبِيكَ أَعْجَبَنِي رِضَاهَا

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ فُرِضَتْ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي نَسَخَهَا.
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: فَلَمَّا ثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ وَبِالْأَسَانِيدِ الصِّحَاحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّىَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَجُزْ أَنْ تُزَالَ إِلَّا بِإِجْمَاعٍ أَوْ حَدِيثٍ يُزِيلُهَا وَيُبَيِّنُ نَسْخَهَا، وَلَمْ يَأْتِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ وَصَحَّ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ إِيجَابُهَا، وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ مَا يُخْرِجُ مِنْهَا مِنَ الْبُرِّ وَالزَّبِيبِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مِنَ الشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ إِلَّا صَاعٌ فَمِمَّنْ قَالَ: لَا يُجْزِئُ مِنَ الْبُرِّ إِلَّا صَاعٌ الْحَسَنُ، ومَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وأَحْمَدُ، وَيُرْوَى هَذَا الْقَوْلُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنِ الْعَبَّاسِ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُمَا وَمِمَّنْ قَالَ: يُجْزِئُ نِصْفُ صَاعٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وعُثْمَانُ، وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَأَسْمَاءُ، وجَابِرٌ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، ومُعَاوِيَةُ، فَهَؤُلَاءِ ثَمَانِيَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمِنَ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وعُرْوَةُ، وَأَبُو سَلَمَةَ، وعَطَاءٌ، وطَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَأَبُو قِلَابَةَ، وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ، ومُصْعَبُ بْنُ سَعْدٍ، فَهَؤُلَاءِ أَحَدَ عَشَرَ مِنَ التَّابِعِينَ، وَمِمَّنْ دُونَهُمُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ.
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: وَالْحُجَّةُ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا فَرَضَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ وَكَانَ ذَلِكَ قُوتَهُمْ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ قُوتٍ كَذَلِكَ وَالْحُجَّةُ لِلْقَوْلِ الثَّانِي: أَنَّ الصَّحَابَةَ هُمُ الَّذِينَ قَدَّرُوا نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ، وَهُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُمْ إِلَّا إِلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ، فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ خَالَفَهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَالْجَوَابُ أَنَّهُ قَدِ اخْتُلِفَ عَنْهُمَا وَلَيْسَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ أَوْلَى مِنَ الْآخَرِ إِلَّا بِالِاحْتِجَاجِ بِغَيْرِهِمَا وَقُرِئَ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ رَمَضَانَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ ذَكَرٍ وَأُنْثَى فَعَدَلَ النَّاسُ بِهِ نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ».
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: فَهَذَا ابْنُ عُمَرَ يُخْبِرُ: أَنَّ النَّاسَ فَعَلُوا هَذَا وَالنَّاسُ أَتْبَاعُهُ.
فَأَمَّا الزَّبِيبُ فَأَهْلُ الْعِلْمِ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ مِنْهُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ إِلَّا صَاعٌ خَلَا أَبَا حَنِيفَةَ، فَإِنَّ أَبَا يوسُفَ رَوَى عَنْهُ أَنَّهُ يُخْرَجُ مِنْهُ نِصْفُ صَاعٍ كَمَا يُخْرَجُ مِنَ الْبُرِّ وَأَمَّا الِاخْتِيَارُ فِيمَا يُخْرِجُ فَأَهْلُ الْعِلْمِ مَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ: فَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُخْرِجُ التَّمْرَ.
وَقَالَ مَالِكٌ: أَحَبُّ مَا أَخْرَجَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ إِلَيَّ التَّمْرُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: إِخْرَاجُ التَّمْرِ أَحَبُّ إِلَيَّ وَإِنْ كَانُوا يَقْتَاتُونَ غَيْرَهُ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: لِأَنَّ التَّمْرَ مَنْفَعَتُهُ عَاجِلَةٌ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْبُرُّ أَحَبُّ إِلَيَّ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: أَعْجَلُهَا مَنْفَعَةً الدَّقِيقُ يُخْرِجُ نِصْفَ صَاعِ دَقِيقٍ مِنْ بُرٍّ، أَوْ صَاعًا مِنْ دَقِيقِ الشَّعِيرِ.
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: فَأَمَّا إِخْرَاجُ الْقِيمَةِ فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ أَيْضًا، فَمِمَّنْ أَجَازَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْحَسَنُ، وَأَهْلُ الرَّأْيِ وَلَمْ يُجِزْ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وأَحْمَدُ إِلَّا إِخْرَاجَ الْمِكْيَلَةِ كَمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ، وَقَالَ إِسْحَاقُ: يَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ.
فَأَمَّا دَفْعُ زَكَاةِ الْفِطْرِ إِلَى إِنْسَانٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَتْ عَنْ جَمَاعَةٍ فَمِمَّا اخْتُلِفَ فِيهِ أَيْضًا، فَأَجَازَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُقْسَمُ كَمَا تُقْسَمُ الزَّكَاةُ.
وَأَمَّا إِعْطَاءُ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْهَا فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ أَيْضًا، فَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يُجِيزُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ، فَمِمَّنْ أَجَازَهُ مُرَّةُ الْهَمْدَانِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الرَّأْيِ فَرَّقُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّكَاةِ فَلَمْ يُجِيزُوا فِي الزَّكَاةِ إِلَّا دَفَعَهَا إِلَى الْمُسْلِمِينَ، وَأَجَازُوا فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ أَنْ تُدْفَعَ إِلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ.
وَأَمَّا دَفْعُ الرَّجُلِ عَنْ زَوْجَتِهِ فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ أَيْضًا، فَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَوْجِبُونَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَهْلُ الرَّأْيِ: لَا يَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ.
وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَقَالَ عَطَاءٌ، وَالزُّهْرِيُّ، ورَبِيعَةُ: لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ زَكَاةُ الْفِطْرِ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِمْ {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15] وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَأَهْلِ الْكُوفَةِ.
وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَمُخْتَلَفٌ فِي أَدَّاءِ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَنْهُ أَيْضًا، فَقَالَ الْحَسَنُ، وعَطَاءٌ: لَا يَجِبُ عَلَى مَوْلَاهُ أَنْ يُؤَدِّيَهَا عَنْهُ.
وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الرَّأْيِ.
وَقَالَ مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ: عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَهَا عَنْهُ.
وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي الْمُكَاتَبِ فَقَالَ مَالِكٌ: عَلَى مَوْلَاهُ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ.
وَقَالَ أَهْلُ الرَّأْيِ، وَالشَّافِعِيُّ: لَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ.
وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
وَلِهَذَا الِاخْتِلَافِ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُؤَدِّيَ إِلَّا عَنْ نَفْسِهِ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ»، فَالْحُرُّ يُؤَدِّي عَنْ نَفْسِهِ، وَالْعَبْدُ يُؤَدِّي عَنْ نَفْسِهِ.
كَمَا رَوَى عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «لَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ فِي مَالِهِ شَيْءٌ إِلَّا صَدَقَةُ الْفِطْرِ» إِلَّا أَنَّ الْفُقَهَاءَ الَّذِينَ تَدُورُ عَلَيْهِمُ الْفُتْيَا يَقُولُونَ: عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ عَبْدِهِ.
فأما تَقْدِيرُ الصَّاعِ فَقَدْ قَدَّرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ خُمْسُ وَيْبَةٍ، وَالْمُدُّ رُبُعُهُ.
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: لَا نَعْلَمُ اخْتِلَافًا فِي الْكَيْلِ، فَمَنْ قَالَ: يُخْرِجُ الْإِنْسَانُ صَاعًا مِنْ بُرٍّ قَالَ: يُخْرِجُ الْوَيْبَةَ عَنْ خَمْسَةٍ، وَمَنْ قَالَ: يُخْرِجُ نِصْفَ صَاعٍ مِنَ بُرٍّ قَالَ: الْوَبْيَةُ عَنْ عَشَرَةٍ وَهَذَا قَوْلُ اللَّيْثِ.
وَالْمُتَفَقِّهُونَ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِّ يَقُولُونَ: عَنْ ثَمَانِيَةٍ وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ الصَّاعِ مِنَ الْوَزْنِ فَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي يُوسُفَ: أَنَّهُ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ.
وَعَنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أُخِذَ هَذَا، وَهُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ بِهِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، ومُحَمَّدٌ: هُوَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ.

.وَأَمَّا الْمَوْضِعُ الثَّالِثُ [الغاشية]:

فَقَوْلُهُ جَلَّ وَعَزَّ {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية: 22] قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: أَيْ لَسْتَ تَكْرِهُهُمْ عَلَى الْإِيمَانِ، ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 73]، {وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} [التوبة: 5] فَنَسَخَ هَذَا {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية: 22] فَجَاءَ: قَتْلُهُ أَوْ يُسَلِّمُ، وَالتَّذْكِرَةُ كَمَا هِيَ لَمْ تُنْسَخْ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ، ابْنِ عَبَّاسٍ {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية: 22] قَالَ: بِجَبَّارٍ.
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: وَهَذَا مَعْرُوفٌ فِي اللُّغَةِ يُقَالُ: تَسَيْطَرَ عَلَى الْقَوْمِ إِذَا تَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ، أَيْ: لَسْتَ تُجْبِرُهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ إِنَّمَا عَلَيْكَ أَنْ تَدْعُوَهُمُ إِلَيْهِ، ثُمَّ تَكِلُهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

.وَأَمَّا الْمَوْضِعُ الرَّابِعُ [الشرح]:

فَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح: 7].
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَاهُ.
فَمِنْ ذَلِكَ: مَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَافِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} [الشرح: 7] قَالَ: إِذَا فَرَغْتَ مِنْ صَلَاتِكِ فَانْصَبْ فِي الدُّعَاءِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: إِذَا فَرَغْتَ مِنْ غَزْوِكَ وِجِهَادِكَ فَتَعَبَّدْ لِلَّهِ تَعَالَى.
قَالَ مُجَاهِدٌ: إِذَا فَرَغْتَ مِنْ شُغْلِكَ بِأُمُورٍ الدُّنْيَا فَصَلِّ وَاجْعَلْ رَغْبَتَكَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى.
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: وَإِنَّمَا أُدْخِلَ هَذَا فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ فِي مَعْنَى فَانْصَبْ: أَنَّهُ فَانْصَبْ لَقِيَامِ اللَّيْلِ، وَفَرْضُ قِيَامِ اللَّيْلِ مَنْسُوخٌ عَلَى أَنَّ هَذَا غَيْرُ وَاجِبُ. وَالْمَعَانِي فِي الْآيَةِ مُتَقَارِبَةٌ أَيْ: إِذَا فَرَغْتَ مِنْ شُغْلِكَ بِمَا يَجُوزُ أَنْ تَشْتَغِلَ بِهِ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا أَوِ الْآخِرَةِ فَانْصَبْ، أَيْ: انْتَصِبْ لِلَّهِ تَعَالَى وَاشْتَغِلْ بِذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ وَالصَّلَاةِ لَهُ، وَلَا تَشْتَغِلْ بِاللَّهْوِ وَمَا يُؤْثِمُ وَقَدْ بَيَّنَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ: فَإِذَا فَرَغْتَ مِنَ الْفَرَائِضِ فَانْصَبْ لَقِيَامِ اللَّيْلِ.

.سورة الْقَدْرِ إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ:

حَدَّثَنَا يَمُوتُ، بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ سُورَةَ الْقَدْرِ، وَلَمْ يَكُنْ مَدَنِيَّتَانِ، وَأَنَّ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا إِلَى آخِرِ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ مَكِّيَّةٌ، وَأَنَّ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ إِلَى آخِرِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَدَنِيَّةٌ.
وَقَالَ كُرَيْبٌ: وَجَدْنَا فِي كِتَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ مِنْ سُورَةِ الْقَدْرِ إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ مَكِّيَّةٌ إِلَّا إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ، وَإِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ، وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ فَإِنَّهُنَّ مَدَنِيَّاتٌ.
وَقَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: لَمْ يَجِدْ فِيهِنَّ نَاسِخًا وَلَا مَنْسُوخًا، وَإِذَا تَدَبَّرْتَ ذَلِكَ وَجَدْتَ أَكْثَرَهُنَّ وَأَكْثَرَ مَا لَيْسَ فِيهِ نَاسِخٌ وَلَا مَنْسُوخٌ إِنَّمَا هُو فِيمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ نَسْخٌ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أنْ يَقَعَ نَسْخٌ فِي تَوْحِيدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا فِي أَسْمَائِهِ، وَلَا فِي صِفَاتِهِ، وَالْعُلَمَاءُ يَقُولُونَ: وَلَا فِي إِخْبَارِهِ، وَمَعْنَاهُ: وَلَا فِي إِخْبَارِهِ بِمَا كَانَ وَمَا يَكُونُ.
وَالْحِكْمَةُ فِي هَذَا: أَنَّ النَّسْخَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي أَحْكَامِ الشَّرَائِعِ مِنَ الصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ، وَالْحَظْرِ، وَالْإِبَاحَةِ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يُنْقَلَ الشَّيْءُ مِنَ الْأَمْرِ إِلَى النَّهْي، وَمَنَ النَّهْي إِلَى الْأَمْرِ لِأَنَّكَ إِذَا قُلْتَ: افْعَلْ كَذَا، وَكَذَا مُحْرِمٌ عَلَيْكَ سَنَةً، جَازَ أَنْ تُبِيحَهُ بَعْدَ سَنَةٍ، وَإِذَا قُلْتَ: افْعَلْ كَذَا، وَكَذَا مُحْرِمٌ عَلَيْكَ، وَأَنْتَ لَا تُرِيدُ وَقْتًا أَوْ شَرْطًا فَكَذَا أَيْضًا سَوَاءٌ عَلَيْكَ ذَكَرْتَهُ أَمْ لَمْ تَذْكُرْهُ، فَهَذَا مُحَالٌ فِي تَوْحِيدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَسْمَائِهِ، وَصِفَاتِهِ، وَإِخْبَارِهِ بِمَا كَانَ وَمَا يَكُونُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ مُحَالٌ أَنْ تَقُولَ: قَامَ فُلَانٌ، ثُمَّ تَقُولَ بَعْدَ وَقْتٍ: لَمْ يَقُمْ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي الْأَوَّلِ اشْتِرَاطٌ، وَلَا زَمَانٌ، فَالنَّسْخُ فِي الْإِخْبَارِ بِمَا كَانَ وَمَا يَكُونُ كَذِبٌ، وَفِي الْأَمْرِ وَالنَّهْي أَيْضًا مِمَّا لَا يَقَعُ فِيهِ نَسْخٌ وَذَلِكَ الْأَمْرُ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَاتِّبَاعِ رُسُلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَخَصَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيَّ الرَّحْمَةِ بِالصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيمِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَاتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ وَفَضَلٍ وَكَرَمٍ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.